إعدام الفلسطينيين، بالقانون..!
صادق كنيست العدو الصهيوني يوم الأربعاء الماضي على مشروع قانون يشرعن عقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين، بالقراءة الأولى بأغلبية 55 صوتا مقابل 9 أصوات. وامتنعت معظم المعارضة – بقيادة رئيس الوزراء السابق يائير لبيد – عن التصويت احتجاجًا، كما قالت الأخبار.
بموجب القانون الذي صاغه المتطرفان، سون هار ميليخ وإيتمار بن غفير من حزب “القوة اليهودية”، فإن أي شخص “يتسبب عمدًا أو بسبب اللامبالاة في موت مواطن إسرائيلي عندما يتم تنفيذ الفعل بدافع عنصري أو كراهية لجمهور معين.. وبهدف الإضرار بدولة إسرائيل وانبعاث الشعب اليهودي من جديد في وطنه” سيواجه عقوبة الإعدام، من دون أي فرصة للسجن. وسينطبق القانون في الضفة الغربية المحتلة بموجب القانون الدولي.
وفق القانون الدولي، سيكون ما يصفونه بـ”الإضرار بدولة إسرائيل” غاية مشروعة للفلسطينيين باعتبارهم يقاومون احتلالاً غير مشروع. أما قصة “انبعاث الشعب اليهودي من جديد في وطنه”، فمشروط بموت الشعب الفلسطيني في وطنه وخارج وطنه، وهو شرط لن يقبله الفلسطينيون طواعية. وبذلك، سيكون أي تعبير الفلسطيني عن مقاومة هذا الموت الإجباري “إرهابًا” يستوجب عقوبة الإعدام، لا أقل.
وصفت السلطة الفلسطينية مشروع القانون بأنه “قاسٍ وبربري وغير إنساني”، و”متجذر في نزعة التفوق اليهودي”، وأن تمريره سيؤدي إلى وضع الفلسطينيين “بشكل تعسفي واحتفالي في انتظار تنفيذ حكم الإعدام”. وكانت “السلطة”، تزامنًا مع طرح مشروع القانون، قد قبلت الاجتماع مع نفس الذين يدفعون بهذا القانون، بذريعة تخفيف التوترات بين الفلسطينيين ومحتليهم. لكنّ الكثيرين يطرحون السؤال المنطقي: كيف يمكن توقع شيء، أيّ شيء، من عدوّ صريح كيانه معجون بالعنف الوحشي ضد الفلسطينيين؟ وماذا ينتظر الفلسطينيون بعد من هذا العدو ورعاته المتواطئين؟
في الحقيقة، من الغريب أن تُعتبر خطوة مشروع القانون شيئًا جديدًا، بنفس طريقة “ديمقراطية إسرائيل” التي يُزعم أنها تتلاشى الآن. كان إعدام الفلسطينيين خارج نطاق القانون ومن دون محاكمة، بل وحتى بتهمة مجرد الوجود، هو العنصر التكويني الأساسي للمشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين. وكانت الخطوات الأولى، الضرورية، لنشوء الكيان على فكرة “وطن قومي للشعب اليهودي”، هي ارتكاب المذابح الجماعية في القرى والبلدات الفلسطينية بهدف إجبار أصحابها على المغادرة – إذا نجوا من الموت المباشر. ولم تتوقف لحظة واحدة ممارسة إعدام الفلسطينيين، سواء في شكل إطلاق النار الفردي على المحتجين أو حروب الإبادة الجماعية مثل حروب غزة المتكررة. وفي كثير من الأحيان، اعتبر إلقاء طفل فلسطيني حجرًا صغيرًا على دبابة مدرعة “إرهابًا” وخطراً على “الدولة” استوجب الإعدام الفوري من دون محاسبة المرتكِب.
الجديد فقط هو أن الكيان وصل إلى حد من الصلف والتمتع برخص القتل التي تنهال عليه من الغرب والعرب، بحيث لم يعد يحتاج إلى إخفاء نية تصفية الفلسطينيين صراحة وفوق الطاولة. وبدلًا من الحكم على مقاوم فلسطيني بمائة وعشرين عامًا في السجن إذا أفلت من القتل مباشرة على يد الجنود، وهو نظير للإعدام عملياً، سنعتقله ونأخذ حياته مباشرة وفق القانون، من دون منحه فرصة لخروج في تبادل أو لتغير للظروف. وبالتأكيد، ليس هناك إعدام – ولا سجن- ليهودي يقتل فلسطينيًا بلا حاجة لسبب، كيف لا ومجرد وجود الفلسطيني يهدد “الشعب المنبعث مجددًا في وطنه” في صراع وجودي بالتعريف؟
قال المستعمر الصهيوني الغبي، يعقوب، لصاحبة البيت الذي اغتصبه ويقيم فيه: “لو لم أسرقه أنا لسرقه أحد آخر”. ويطالب “الأذكياء” الأيديولوجيون الصهاينة بشن “حرب نهائية” ضد الفلسطينيين لا تكون بعدها حروب، لأنهم سيكونون قد أُخرجوا من الوجود. هذا هو الكيان الذي نُطالب بالتعامل معه -حتى أن قطاعًا كبيرًا من جسم الكيان يحتج على استبداده المتصاعد وذهابه المستمر إلى الفاشية المطلقة.
يؤكد مرور مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين بنسبة 55 مقابل 9 فقط على نوع الأشخاص الذين يجد الشعب الفلسطيني نفسه في مواجهتهم. كما يؤكد على حقيقة أن أي شكل من أشكال التعاون، أو التنسيق، أو الاعتراف، أو الالتقاء بأناس هذه صفاتهم واتجاهاتهم ليس منطقيًا ولا أخلاقيّا، ولا تأتي منه أي فائدة عملية. إنهم يؤكدون على تعريفهم للصراع كواحد وجودي، ولا مبرر لأن يتعامى الفلسطينيون – أو غيرهم- ويصفونه بغير ذلك.